التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مساء الخير يا صديقي (...

- تبدين متعبة ....
رفعت رأسي فوجدته يجلس على مقعد أمام مكتبي تماما لولا انني اضع شاشة الحاسوب بطريقة جانبية لكانت اخفته عني، لم أجبه التفت الى الصورة على المكتب تأملتها قليلا... لم اكن ادري بماذا افكر الان، كنت اشعر بالتعب فعلا ذاك الذي يغزو تفاصيل عينيك وحنجرتك وكامل جمجمتك ويتركك بحالة من الخمول لا تدري بماذا تفكر أو بأي إتجاه تسير، ابتسمت بعناء... لم اكن ادري حقا أي جواب اراد...

- نعم انا كذلك....

امسكت ما يشبه جرة صغيرة أضعها على مكتبي وضعت يدي عليها وانحنيت فصعدت من خلاياي الذكريات فلم استطع منع دموعي، لكني رفعت رأسي نظرت اليه حاولت ان لا اريه الدموع، تحرك قليلا بحث في جيبه عن سيجارته الملازمة ....

- تبدين في نفس الحالة... اتذكرين ؟؟؟
نظرت اليه بحيرة فقال : عندما التقينا لاول مرة .... اتذكرين ؟؟؟
: ياه مر دهر على ذلك كيف لازلت تذكر ؟
امسك بالجرة  تأملها قليلا ثم وضعها جانبا....
وجوده جعل دموعي تجف وجعل قلبي يتململ قليلا فيتحرك فيه الهواء ...
: يلتبس الزمن عليّ احيانا فلا اجد هناك فرق بين الماضي والحاضر ... المستقبل لا اعرفه لكني اعرف أنني دائما سأقابلك
: مرت سنوات كثيرة ولازلت تحلمين...
: نعم ... ابتسمت بحزن وربما بشعور بالخيبة ...
اتذكر تلك المسرحية التي كتبت منها جزء وضاعت دون ان اكملها... عن الشاب الذي لكثرة ما اعجبه الحلم ومراقبة الناس من نافذته فقد ساقيه...
: اذكرها جيدا ... واذكر أنني اعجبت برحلة البحث عن ساقين ...
جلس مسترخيا ينظر اليّ  ..  كانت عيناه تراقبانني بتأمل وكأنه يريد اكتشاف شيء ما في ملامحي....
مرت سنوات كثيرة ... قلت
وعدت لمتابعة ما كنت اكتبه على الحاسب أمامي وكان عبارة عن لقاء بيننا تم منذ عدة سنوات، كنت اجلس في الطائرة قرب النافذة اراقب الغيوم التي تشكل جبالا من البياض الهش تلمع احيانا بينها اشعة الشمس، كلما استدارات الطائرة تمنيت لو كنت طائرا صغيرا يحلق بجناحيه وحاولت أن انسى انني اجلس مع عدد كبير من الناس من مختلف الاعمار والجنسيات... لكل منهم حكاية ولكل منهم هدف يريد الوصول اليه ....
كانت الرحلة من دمشق الى دبي، حملت في هذا الرحلة الكثير من الكتب من معرض الكتاب وودعت صديقتي قبل التوجه الى الجوازات دون ان املك المبلغ الكافي للجمارك ... وكنت افكر بحل عندما اقترب مني احدهم للمساعدة وكان الحل ان نضع الكتب في حقائب ورقية نحملها على الطائرة ثم نعيدها الى الحقيبة ... وهكذا وفرت مبلغا كبيرا للجمارك... حدثني رفيق الرحلة عن زوجته التي تحمل نفس اسمي وعن عمله وعن اشياء كثيرة اخرى لم اعد اذكرها لكني لازلت اذكر الكثير من اجزاء الحوار ... في تلك الرحلة التقيت بشخص اخر كان مقعده الى جانب مقعدي بالطائرة ساعدني في حمل حقيبة الكتب وكانت ثقيلة وكنت اتساءل بيني وبين نفسي ان كان ندم على عرضه المساعدة...
: ماذا تكتبين ؟؟؟
ابتسمت : اجزاء من ذكريات بعيدة تخطر على بالي كما لو كانت صورا نصادفها في البوم قديم فنترك ما كنا نبحث عنه ونجلس لنطالعها ونبتسم ... الذكريات البعيدة جميلة حتى لو كانت مؤلمة
:نعم حتى أنني اتذكر الحادثة وابتسم ... كانت في منتهى الروعة ... أن تحلق اجزاؤك مبعثرة في الهواء ....
نظرت اليه بغضب مفتعل... يعلم أنني لا احب تذكر تلك الحادثة لانني لم اتجاوز بعد المها ....
توقف عن الحديث ونظر الي قائلا بما يشبه المفاجأة ....
: ما الذي يزعجك وابكاك ؟؟
قلت بلا ادنى تردد وكأني لم انتبه لسؤاله المفاجئ.... : لا استطيع أن اخذ الطائرة بالاتجاه المعاكس.... لا استطيع....

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ميثاق ولكن .....

كان يجب أن أتحدث إليه حول موضوع الميثاق الذي طرحة أخي العزيز عبد الوهاب.. كنت قد فكرت أن أكتب الميثاق كما فعل شعرا ...أو نثرا أو ... لكن هل كتبته ؟؟؟ لا نحتاج لمواثيق للكتابة ولا للقراءة هذا ما تعلمته وهذا ما حدث ..! فكرت أن نجلس معا لأناقشك في موضوع هذا الميثاق لكنك ابتسمت ... قلتَ لي لا أؤمن بمن يكتب ميثاقا.. ولا من يطلب مني أن اعيره قلماً فالأول يبدأ بالتراجع في ذات اللحظة التي ينهي كتابة ميثاقه فيها والثاني لا يعيد إليك قلمك أبداّ... وقلت : أنا حساس جدا من هذا الأمور... ومضيت تدخن بشراهة وأنت تشعر بأن السكري يلتهم جسدك رغما عنك أما روحك فهي ملك للكون الذي تعده لغيابك ... كون كامل سيذكرك بعد أن تغيب.....صرخت فرحة لقد وجدتها.. قلتَ لي : ماهي ؟؟ : الكون الذي سيذكرك حين تغيب ! : بدأت تتحدثين متأثرة بي ... أليس هذا ما شرحته لها حين كتبت لها عن المسرحية التي اكتبها ؟؟ قلت لك بعناد : لا ليس هذا.. أنت قلت أن النبي يستر الرأس من الداخل والقبعة تستره من الخارج لذا اسميتها (القبعة والنبي) ... وهنا أن اتحدث عن الكون الذي سيذكرك.. نظرت إليك... كان وجهك محتقنا وسعالك يشبه روحا مجروحة.. قلت لك :
عندما خرجت هذا المساء لم أكن أتوقع أن التقي بأحد، بل أنني تعمدت أن اترك هاتفي المحمول في البيت رغم معرفتي انني لن اتلق اي مكالمة من أحد، كلما شعرت بالاختناق ذهبت اليه، صديقي الازرق الجميل الذي لم يخذلني او يخيّب ظني به أبداً، لهذا كان لقائي به على رمال الشاطئ مفاجأة اخرى تشبه هدية عيد غير متوقعة، نسيت حواري مع البحر، ونسيت دموعي ونسيت كل شيء الا رغبتي بعناق يلئم هذا الصدع الذي اشعر به في قلبي، مما جعله يضحك وهو يخفف من قبضة ذراعي على عنقه لينظر في عيني غير مصدق هذه اللهفة غير المتوقعة من كلانا... : ما بك ؟؟  اتى صوته بعد فترة طويلة وكأنه احترم هذه الحاجة الماسة للعناق، الى جانب اختفاء صوت الموج، ذهول البحر مما يرى، كأن الزمن توقف على حافة ما قبل ان تعود دورة الحياة الى ما كانت عليه،  حركة سينمائية مدروسة بعناية لتوقف كل شيء حتى نبض قلبي ودموعي، سعاله وهدير البحر، اخيرا سمعت كلمته دون ان ادرك اي بُعد ذاك الذي حملها اليّ... ( ما بك ؟)  التقطت انفاسي، ابتعدت عنه قليلا، تأملت ملامحه التي لا تتغير لكنها تكتسي بتعابير مختلفة في كل مرة اراه فيها، اليوم بدا اكثر شبابا من قبل، اكثر نشاطا ك