التخطي إلى المحتوى الرئيسي
عندما خرجت هذا المساء لم أكن أتوقع أن التقي بأحد، بل أنني تعمدت أن اترك هاتفي المحمول في البيت رغم معرفتي انني لن اتلق اي مكالمة من أحد، كلما شعرت بالاختناق ذهبت اليه، صديقي الازرق الجميل الذي لم يخذلني او يخيّب ظني به أبداً، لهذا كان لقائي به على رمال الشاطئ مفاجأة اخرى تشبه هدية عيد غير متوقعة، نسيت حواري مع البحر، ونسيت دموعي ونسيت كل شيء الا رغبتي بعناق يلئم هذا الصدع الذي اشعر به في قلبي، مما جعله يضحك وهو يخفف من قبضة ذراعي على عنقه لينظر في عيني غير مصدق هذه اللهفة غير المتوقعة من كلانا...

: ما بك ؟؟  اتى صوته بعد فترة طويلة وكأنه احترم هذه الحاجة الماسة للعناق، الى جانب اختفاء صوت الموج، ذهول البحر مما يرى، كأن الزمن توقف على حافة ما قبل ان تعود دورة الحياة الى ما كانت عليه،  حركة سينمائية مدروسة بعناية لتوقف كل شيء حتى نبض قلبي ودموعي، سعاله وهدير البحر، اخيرا سمعت كلمته دون ان ادرك اي بُعد ذاك الذي حملها اليّ... ( ما بك ؟) 

التقطت انفاسي، ابتعدت عنه قليلا، تأملت ملامحه التي لا تتغير لكنها تكتسي بتعابير مختلفة في كل مرة اراه فيها، اليوم بدا اكثر شبابا من قبل، اكثر نشاطا كما لو أنه تناول افطاره مع عائلته للتو وخرج لسيارته ,,,, اجزعتني الفكرة

: لا شيء سعيدة أنك أتيت الى هنا بعيدا عن ......

لامست موجة اقدامنا لافتة نظري الى جمال هذا المساء، ابتسمت له
: 44 عاماً لم نلتق بها سوى مرات معدودة ... وكأنك السعادة ذاتها التي ابحث عنها التي لا تقترب سوى ثوان وتتبخر ....

ابتسم، ثم اخذ يمشي الى جانبي، هدير البحر يعطي للمساء مع النسمات الباردة جوا رائعا لا يشبه الا اللقاء بحبيب غائب

: اتدري انك محظوظ جدا ؟

ابتسم منتظرا ان اكمل فقلت : لو تزوجت سيدة عربية لما قامت بتأسيس مؤسسة لاعمالك ولما بقيت وفية لك بهذا التفان والحب الى وقتنا هذا....
نظر اليّ : حتى انت ؟؟؟ ضحكت لا اعتقد انني كنت سأحبك لو التقيت بك قبلها
ضحك طويلا حتى سعل عدة مرات قبل ان يستطيع التوقف عن الضحك ليقول لي : ما كنتُ سأحبك  بدوري

شاركته الضحك بقوة قبل ان اقول : حسناً هذا مؤلم قليلا ولكنه عادل....
: لم انت هنا ؟؟؟
نظرت الى البحر استعين به على الاجابة، لكن صوت الموج لم يأبه لي، نظرت الى ظلي على الرمال ، ظلي الوحيد، الوحيد تماما...
ثم اشرت اليه،

كان الظل يشير ايضا اليّ ،  قال : كلاكما مزعجان انت وظلك.... انتما الاثنان...
انتبهت انه فهم ما وددت قوله عن الوحدة، بل رد عليه ايضا...

: ولكن .... قلت ذلك دون ان ادري ما اود قوله فابتسمت وصمت....امسك بيدي واخذ يجري على الرمل وكأنه يود أن تطير كل هذه الافكار المزعجة من رأسي ومن فضاء المكان الجميل، وجدت نفسي اجري معه لتتلاشى ليس فقط الافكار المزعجة ولكن هذه الوحدة التي اشعر بها لنعود  طفلين صغيرين في زمان بعيد، او لنتحول الى طائري نورس ربما يحلقان فوق البحر، لعلنا نتحول الى نجمتين في هذه السماء الجميلة....

ترك يدي او هو لم يمسكها بل كانت الريح الهادئة تلك التي جعلتها تتوقف عن كونها يد لتكون جناحا في زمان لا يشبه الا صديقي الذي يحضر في اللحظة المناسبة ليخرجني من عنق الزجاجة ويبتعد ليراقب انبعاثي من جديد طفلة تحلم بوطن حقيقي او امرأة تبحث في الوجود عن حب لا يتلاشى، او ... ليشهد تحرري من كوني شجرة ثابته الجذور الى طائريجوب السماء بحرية لا حدود لها......

ناديته باعلى صوتي، ناديته دون ان ادرك انني اتحول الى نورس بحري بينما يتحول هو الى صديق وان غاب فإنه يحضر ليعيد للاشياء توازنها وجمالها...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ميثاق ولكن .....

كان يجب أن أتحدث إليه حول موضوع الميثاق الذي طرحة أخي العزيز عبد الوهاب.. كنت قد فكرت أن أكتب الميثاق كما فعل شعرا ...أو نثرا أو ... لكن هل كتبته ؟؟؟ لا نحتاج لمواثيق للكتابة ولا للقراءة هذا ما تعلمته وهذا ما حدث ..! فكرت أن نجلس معا لأناقشك في موضوع هذا الميثاق لكنك ابتسمت ... قلتَ لي لا أؤمن بمن يكتب ميثاقا.. ولا من يطلب مني أن اعيره قلماً فالأول يبدأ بالتراجع في ذات اللحظة التي ينهي كتابة ميثاقه فيها والثاني لا يعيد إليك قلمك أبداّ... وقلت : أنا حساس جدا من هذا الأمور... ومضيت تدخن بشراهة وأنت تشعر بأن السكري يلتهم جسدك رغما عنك أما روحك فهي ملك للكون الذي تعده لغيابك ... كون كامل سيذكرك بعد أن تغيب.....صرخت فرحة لقد وجدتها.. قلتَ لي : ماهي ؟؟ : الكون الذي سيذكرك حين تغيب ! : بدأت تتحدثين متأثرة بي ... أليس هذا ما شرحته لها حين كتبت لها عن المسرحية التي اكتبها ؟؟ قلت لك بعناد : لا ليس هذا.. أنت قلت أن النبي يستر الرأس من الداخل والقبعة تستره من الخارج لذا اسميتها (القبعة والنبي) ... وهنا أن اتحدث عن الكون الذي سيذكرك.. نظرت إليك... كان وجهك محتقنا وسعالك يشبه روحا مجروحة.. قلت لك :

مساء الخير يا صديقي (...

- تبدين متعبة .... رفعت رأسي فوجدته يجلس على مقعد أمام مكتبي تماما لولا انني اضع شاشة الحاسوب بطريقة جانبية لكانت اخفته عني، لم أجبه التفت الى الصورة على المكتب تأملتها قليلا... لم اكن ادري بماذا افكر الان، كنت اشعر بالتعب فعلا ذاك الذي يغزو تفاصيل عينيك وحنجرتك وكامل جمجمتك ويتركك بحالة من الخمول لا تدري بماذا تفكر أو بأي إتجاه تسير، ابتسمت بعناء... لم اكن ادري حقا أي جواب اراد... - نعم انا كذلك.... امسكت ما يشبه جرة صغيرة أضعها على مكتبي وضعت يدي عليها وانحنيت فصعدت من خلاياي الذكريات فلم استطع منع دموعي، لكني رفعت رأسي نظرت اليه حاولت ان لا اريه الدموع، تحرك قليلا بحث في جيبه عن سيجارته الملازمة .... - تبدين في نفس الحالة... اتذكرين ؟؟؟ نظرت اليه بحيرة فقال : عندما التقينا لاول مرة .... اتذكرين ؟؟؟ : ياه مر دهر على ذلك كيف لازلت تذكر ؟ امسك بالجرة  تأملها قليلا ثم وضعها جانبا.... وجوده جعل دموعي تجف وجعل قلبي يتململ قليلا فيتحرك فيه الهواء ... : يلتبس الزمن عليّ احيانا فلا اجد هناك فرق بين الماضي والحاضر ... المستقبل لا اعرفه لكني اعرف أنني دائما سأقابلك : مرت سنوا