التخطي إلى المحتوى الرئيسي
كنت أفكر بك عندما حضرت لتسألني عن شرودي، كنت أعد بعض الأفكار لنناقشها معا، لكن حضورك جعل كل شيء يتلاشى وكأنك احدثت هزة في المكان.... لا تخيف ولكنها تحرك النبض والحواس وتبعث عبيراً في المكان، كنت اتابع الكتابة لك والتحدث عنك وانت تطالع ما افعل تبتسم ولا تقول شيئا....

:- مر زمن !
: - مر زمن .

هكذا التقينا ثانية كأنك لم تغب ولم أغب...كأن الرحلة التي امضيناها معا تعود لمسارها الطبيعي 
:- ماذا تكتبين ؟ يصيبني الفضول أحيانا لأعرف بماذا تفكرين. 
نظرت إليه لم يكن هناك فضول في عينية على الاطلاق بقدر ما هو إصرار أو ضجر... كيف يستطيع أن يجمع هذه المشاعر المتناقضة معا لا أدري لكني اجبته...

:- لم اكتب منذ فترة طويلة... كأن حبل افكاري انقطع أو أن خيالي جف....

ضحك كثيرا قبل أن يقول : جربي شيئا استطيع تصديقه !  

نظر إليّ بتأمل وربما ببعض القلق لثوان قبل ان يستدير ليعبث في مكتبتي كعادته 
:- أحتاج كثيرا أن ابتعد... 
باستغراب :- إلى أين ؟
ضحكت قبل ان اجيب بمشاكسة يعرفها  ... إليك ..

هنا أفلتت منه ضحكة لم يستطع السيطرة عليها....ضحك كثيرا وكنت اتأمله ملامحه، ضحكته، طريقة امساكه لسيجارته، اشعالها .... انطفأت الضحكة بهدوء وعاد يتأملني كمن يرد لي ما كنت افعل...

شعرت أن نظراته أصابع، وأن عيونه يدين تتلمسان ملامحي، تفتشان عن ضحكتي تحاولان عبثا الامساك بغيمة ماضية نحو الغياب....

:- تبدين بعيدة وشاردة اكثر من المعتاد
:- وانت تبدو مهتما اكثر من المعتاد
:- هناك شيء ابحث عنه ولا اجده...
قلت ما هو فأجابني (بل من هو ؟؟؟)

انتظر ردي على سؤاله لكني التفت الى مكتبتي قلت كمن يحدث نفسه 
:- مزعج أن تملك كتبا موقعة لناس لم تعد تعرفهم 
قال بايجاز : نعم

وضع يده على رف من الكتب المتراكمة، ثم نظر الى رف اخروضعت به مجموعة من الكتب المتراكمة بعضها فوق بعض تأمل احدها ثم نظر الي 

كان كتابا عن الهندسة لعله تساءل ماذا يفعل هنا ولماذا احتفظ بكتاب هندسة لا يبدو انه لي....اشرت الى بعض الكتب الاخرى وهي في مواضيع لا تخصني ابدا...تأملها بامعان قبل ان يستدير الى كتاب اخر....

لم اشأ اكمال حوارنا الصامت هذا فأخرجت قصيدة كنت كتبتها منذ بعض الوقت وسألته بصوت مسموع ان كان يود الاستماع ....

جلست يستمع بصمت، لم اكن اقرأ ولم يكن يسمع، صوت وأذن يعملان بينما يجلس شخصان بجانبهما، صمت الصوت، كفت الاذن عن الاستماع...

:- اشعر أنني سوف ابدأ كتابة جديدة لكن ماذا عما كتبته عن مرحلة مرت وانتهت هل انشره ؟؟
:- الكتابة كالعمر اليوم الذي يمضي جزء منا لا نستطيع ان ننكره او نتخلى عنه...
:- الكتابة كالعمر...جميل وهذه القصيدة من عمر جميل لكنه يقف على حافة الفراغ....

اشعل سيجارة اخرى واخذ القصيدة يتأملها.... قبل ان يضع الاوراق جابنا...

:- هل بأمكانك كتابتها مرة اخرى بنفس الحماس؟
:- ان كان سؤالك ان الخيبة تمحو المشاعر ساجيبك...لا ادري...كم تمنيت أن يكون لي جد أو جدة ينقلان لي تجربتهما بالحياة 

عقد حاجبيته باستغراب مفتعل...لمَ ؟  اجبت (لأعرف الكثير)..

:- لتكتبي  صحيح ؟؟
:- لاستعيد قدرتي على الكتابة  وربما الحياة ....الحياة والحب والانتماء 

:- جميل الحياة الكتابة، الحب الحبيب، والانتماء الوطن... ماذا لو قلت لك اختاري اثنين فقط ...

قلت بلا تردد :- الوطن والحبيب....
قال بمشاكسة (والكتابة ؟؟ ) ضحكت :- لولاهما لما حدثت الكتابة اجمل ما نكتب واكثره اشتعالا وتألقا هو عن الوطن أو الحبيب....
:- ولو قلت اختاري واحداً فقط ....
:- الوطن..
:- الوطن ؟
:- نعم ... قلتها وانا اتحسس القلادة في عنقي التي ارتديها منذ كنت في السادسة عشر... 
الوطن دفء الحبيب والق الكتابة .....

ابتسم ولم يعلق، لكن صوته ردد الجملة في انحاء المكان رددها كأنها صدى في قلبي،  ورغم ذهابه شعرت ان المكان مليء به وبعطر لا اعرف مصدره لعله قلبي.....




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ميثاق ولكن .....

كان يجب أن أتحدث إليه حول موضوع الميثاق الذي طرحة أخي العزيز عبد الوهاب.. كنت قد فكرت أن أكتب الميثاق كما فعل شعرا ...أو نثرا أو ... لكن هل كتبته ؟؟؟ لا نحتاج لمواثيق للكتابة ولا للقراءة هذا ما تعلمته وهذا ما حدث ..! فكرت أن نجلس معا لأناقشك في موضوع هذا الميثاق لكنك ابتسمت ... قلتَ لي لا أؤمن بمن يكتب ميثاقا.. ولا من يطلب مني أن اعيره قلماً فالأول يبدأ بالتراجع في ذات اللحظة التي ينهي كتابة ميثاقه فيها والثاني لا يعيد إليك قلمك أبداّ... وقلت : أنا حساس جدا من هذا الأمور... ومضيت تدخن بشراهة وأنت تشعر بأن السكري يلتهم جسدك رغما عنك أما روحك فهي ملك للكون الذي تعده لغيابك ... كون كامل سيذكرك بعد أن تغيب.....صرخت فرحة لقد وجدتها.. قلتَ لي : ماهي ؟؟ : الكون الذي سيذكرك حين تغيب ! : بدأت تتحدثين متأثرة بي ... أليس هذا ما شرحته لها حين كتبت لها عن المسرحية التي اكتبها ؟؟ قلت لك بعناد : لا ليس هذا.. أنت قلت أن النبي يستر الرأس من الداخل والقبعة تستره من الخارج لذا اسميتها (القبعة والنبي) ... وهنا أن اتحدث عن الكون الذي سيذكرك.. نظرت إليك... كان وجهك محتقنا وسعالك يشبه روحا مجروحة.. قلت لك :

مساء الخير يا صديقي (...

- تبدين متعبة .... رفعت رأسي فوجدته يجلس على مقعد أمام مكتبي تماما لولا انني اضع شاشة الحاسوب بطريقة جانبية لكانت اخفته عني، لم أجبه التفت الى الصورة على المكتب تأملتها قليلا... لم اكن ادري بماذا افكر الان، كنت اشعر بالتعب فعلا ذاك الذي يغزو تفاصيل عينيك وحنجرتك وكامل جمجمتك ويتركك بحالة من الخمول لا تدري بماذا تفكر أو بأي إتجاه تسير، ابتسمت بعناء... لم اكن ادري حقا أي جواب اراد... - نعم انا كذلك.... امسكت ما يشبه جرة صغيرة أضعها على مكتبي وضعت يدي عليها وانحنيت فصعدت من خلاياي الذكريات فلم استطع منع دموعي، لكني رفعت رأسي نظرت اليه حاولت ان لا اريه الدموع، تحرك قليلا بحث في جيبه عن سيجارته الملازمة .... - تبدين في نفس الحالة... اتذكرين ؟؟؟ نظرت اليه بحيرة فقال : عندما التقينا لاول مرة .... اتذكرين ؟؟؟ : ياه مر دهر على ذلك كيف لازلت تذكر ؟ امسك بالجرة  تأملها قليلا ثم وضعها جانبا.... وجوده جعل دموعي تجف وجعل قلبي يتململ قليلا فيتحرك فيه الهواء ... : يلتبس الزمن عليّ احيانا فلا اجد هناك فرق بين الماضي والحاضر ... المستقبل لا اعرفه لكني اعرف أنني دائما سأقابلك : مرت سنوا
عندما خرجت هذا المساء لم أكن أتوقع أن التقي بأحد، بل أنني تعمدت أن اترك هاتفي المحمول في البيت رغم معرفتي انني لن اتلق اي مكالمة من أحد، كلما شعرت بالاختناق ذهبت اليه، صديقي الازرق الجميل الذي لم يخذلني او يخيّب ظني به أبداً، لهذا كان لقائي به على رمال الشاطئ مفاجأة اخرى تشبه هدية عيد غير متوقعة، نسيت حواري مع البحر، ونسيت دموعي ونسيت كل شيء الا رغبتي بعناق يلئم هذا الصدع الذي اشعر به في قلبي، مما جعله يضحك وهو يخفف من قبضة ذراعي على عنقه لينظر في عيني غير مصدق هذه اللهفة غير المتوقعة من كلانا... : ما بك ؟؟  اتى صوته بعد فترة طويلة وكأنه احترم هذه الحاجة الماسة للعناق، الى جانب اختفاء صوت الموج، ذهول البحر مما يرى، كأن الزمن توقف على حافة ما قبل ان تعود دورة الحياة الى ما كانت عليه،  حركة سينمائية مدروسة بعناية لتوقف كل شيء حتى نبض قلبي ودموعي، سعاله وهدير البحر، اخيرا سمعت كلمته دون ان ادرك اي بُعد ذاك الذي حملها اليّ... ( ما بك ؟)  التقطت انفاسي، ابتعدت عنه قليلا، تأملت ملامحه التي لا تتغير لكنها تكتسي بتعابير مختلفة في كل مرة اراه فيها، اليوم بدا اكثر شبابا من قبل، اكثر نشاطا ك